السّلام عليكم و رحمة الله
عناصر الدعوة الإسلامية
مجاة النبأ(شبكة المعلوماتية)
بين القرآن العناصر الأساسية والهامة للدعوة الإسلامية بآيات جلية المعنى صريحة العبارة.
قال تبارك وتعالى( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة، والموعظة الحسنة، وجادله بالتي هي أحسن. إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين) (النحل: 125).
وقوله( قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني) (يوسف: 108).
فعناصر الدعوة كما وردت في الآيتين الشريفتين:
1- الحكمة. 2- الموعظة الحسنة. 3- الجدال الحسن 4- البصيرة.
وهذه العناصر الواردة في القرآن الكريم نمرّ عليها أثناء التلاوة مرور الكرام، أو أن نستشهد بها في كيفية الدعوة وسلامتها إجمالاً دون الوقوف والتأمل في كل عنصر من تلك العناصر الأربعة، بل إنني أذهب إلى أكثر من الوقوف والتأمل وأبعد من ذلك.
أذهب إلى ضرورة دراسة كل عنصر من تلك العناصر دراسة موضوعية هادفة، وهذا ما قصدت بيانه.
أولاً: الحكمة(الحكمة) في اللغة لفظ مشتق من (حكم) وهو المنع بقصد الإصلاح والضبط، لذلك سُمي لجام الدابة (حَكَمَة) لمنعها من النفور والعصيان.
فيقال حكمت الدابة أي منعتها من فعل لا أريده.
ومن هذا المعنى قيل (حكمت السفينة) أي ربطها لأمنعها من الإنسياب في الماء.
وقال أحدهم(أبني حنفية أحكِموا سفهاءكم) أي امنعوا سفهاءكم*.
وقد توسع استعمال اللفظ واشتق منه ألفاظاً متعددة لمعانٍ أخرى نحو قولك: أحكمت الصنعة أي أتقنتها، وحكمت السد أتقنته ومنعت تسرب الماء منه، وأحكم الله آياته أتقنها ومنع وقوع الخلل والاختلاف فيها.
والحكم هو القول الفصل المانع من الاختلاف والخصومة. وتارة ينصف بالعدل فنقول حكم عادل وتارة بالظلم فنقول حكم ظالم.
واشتق منها اسم الفاعل والمفعول والمصدر فنقول: حاكم ومحكوم وحكم وحكومة.
ومنها اشتق كلمة (حِكْمَة) وهي القول المحكم المتقن الذي لا يتسرب إليه خلل من كذب أو خطأ أو إبهام أو غموض أو غير ذلك.
وقد استعملت العرب لفظ الحكمة للطبيب لأنه يمنع المرض، وليس لأن الطبيب هو الحكيم أو أن الحكمة منحصرة في الطب. وإنما لأن الطب كان أحد مصاديق الحكمة واتسع مفهوم الحكمة حتى صار مفهوماً كلياً يندرج تحته مفاهيم متعددة، فكل عمل أو قول تتطابق مع الواقع وامتنع عليه النقد أو الرد والمعارضة كان عملاً أو قولاً حكيماً. فنقول قول حكيم، وسلوك حكيم، ورأي حكيم وهكذا.. لذلك كان الحكم أعم من الحكمة لأن الحكم يتصف بالظلم والعدل والحكمة لا تستعمل لا عند العدل فقط.
فنقول حكم بالحكمة أي فصل بين الناس بما يمنع الخلل، والنقص، والنقد، والمعارضة.. وهذا معنى قوله تعالى( وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب) أي ألهمناه الحقيقة، والقدرة على بيانها وإظهارها بالألفاظ والجمل الفاصلة التي لا إبهام فيها وغموض.
فالقول الفاصل الذي لا توجد فيه ثغرة أو جهة ضعف تمنع من قبوله قول حكيم.
وقول الراغب الأصفهاني في )مفردات القرآن( مادة (حكم) بأن الحكمة هي«إيصال الحق بالعلم والعقل» ليس تعريفاً لمطلق الحكمة وإنما تعريف للحكمة المطلوبة في الدعوة الإسلامية.
وعرّفها ابن قيم الجوزي في )هامش التفسير القيم( ص344 بأن الحكمة هي«وضع الشيء في موضعه اللائق به».
وعرفها السيد الطباطبائي في تفسير الآية( أدعو إلى سبيل ربك بالحكمة..) بأنها «الحجة التي تنتج الحق الذي لا مرية فيه ولا وهن ولا إبهام» (يراجع تفسير الآية في تفسير الميزان).
والملاحظ أن هذه التعاريف لجانب من جوانب الحكمة وليسا تـــعريفاً لمفهومها الكلي، ولكن كما ذكرت يمكن أن تصلح تعاريف للحكمة في الدعوة الإسلامية.
فإن مراعاة أحوال المدعو إلى الإسلام من الحكمة، أحواله المادية، والنفسية، والفكرية، والاجتماعية حتى أحواله العارضة فإن الحكمة مراعاة تلك الأحوال، وعدم مراعاتها ليس من الحكمة بل من الحماقة التي لا ينتج عنها سوى تنفير المدعو.
والقدرة على استعمال الحجة والبرهان من الحكمة فإن استعمال الدليل في غير موضعه، أو الحجة حتى لو كانت صحيحة في غير مناسبتها ليس من الحكمة.
اختيار أولويات المواضيع من الحكمة، واختيار الموضوع غير المناسب للمقام كذلك ليس من الحكمة.
كما أن دراسة علم الدعوة ومتطلباته من الحكمة في الدعوة، والارتجالية فيها خلاف الحكمة.
*بتصرف من تفسير القيم لابن القيم ص344 في تفسير الآية(ادعوا إلى سبيل ربك بالحكمة).
يقول الله تعالى في سورة العصر( والعصر * إن الإنسان لفي خسر *إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات * وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر )
ما يهمنا من هذه السورة الكريمة هو استثناء الخسران عن من يتواصى بالحق.بذلك التواصي بالحق هو أمر هام جدًالمن يبغى الفوز.و من منا لا يبغاه.و التواصي بالحق هو نوع ٌ من أنواع الدّعوة الإسلامية و هو بذلك يعني جميع المؤمنين و ليس حكرًا على المختصين.