ان الحمد لله نحمده ونستعينه , ونستغفره , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا
من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له , وأشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله , صلى الله عليه وسلم, وبعد:
فان كثيرا من الناس ينزل بساحتهم البلاء فلا يفقهونه , ولا يفقهون الغاية منه .. وبالتالي
تراهم لا يحسنون تفسيره ولا التعامل معه !
البلاء : البلاء واحد والجمع بلايا , وبلاه جربه وأختبره
أنواع البلاء
:
البلاء نوعان بلاء يأتي من جهة الشر والشدة , وبلاء يأتي من جهة الخير والسعة
النوع الأول : بلاء الشر والشدة : وهذا النوع ينقسم الى قسمين : بلاء قدري كوني , كأن يقدر
الله عز وجل على عبد من عباده الفقر , أو الجوع , أو الخوف , أو المرض ونحوه فقدان
الأصحاب والأحبة , ودليل هذا النوع من البلاء قوله تعالى :
(( ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع و نقص من الأموال والأنفس
والثمرات وبشر الصابرين ))
والقسم الثاني بلاء شرعي تكليفي , كالجهاد في سبيل الله وما يترتب عليه من المشقة
والجراح والألام , والهجرة وما يترتب عليها من مفارقة الأهل, والعمل بما تقتضيه عقيدة الولاء
والبراء في الأسلام , وكذلك الصلاة في أوقاتها , والزكاة والحج والصيام وغيرها من العبادات
ومن البلاء الشرعي التكليفي , الأمساك عن المنهيات والمحظورات التي نها الشارع عنها
والدليل على هذا النوع قوله تعالى :
(( ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم ))
النوع الثاني : بلاء الخير والسعة : وهذا النوع كذلك ينقسم الى قسمين : بلاء قدري كوني
كأن يقدر الله تعالى على عبد من عباده الغنى والسعة والصحة والدليل:
قوله تعالى: (( كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة
والينا ترجعون ))
والقسم الثاني من هذا النوع من البلاء شرعي تكليفي : كالأمساك عن الأستغناء والتوسع
وطلب سبل الخير والسعة عن الطرق المحرمة شرعا , كطلب المال عن طريق الربا أو الميسر
أو الغش , وكذلك طلب الصيد وقت الأحرام والدليل قوله تعالى :
(( يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم ليعلم الله من يخافه
بالغيب فمن أعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم ))
وبلاء الخير يكون في كثير من الأحيان أشد وطأ وفتنة على صاحبه من بلاء الشدة والشر
فالشدة غالبا ماتحمل صاحبها على الرجوع واللجوء الى الله تعالى , بينما بلاء الخير والسعة
والرخاء غالبا مايحمل صاحبه - الا من رحم الله - على الطغيان والظلم والتعدي والركون الى
الدنيا وزينتها ومتاعها والدليل قوله صلى الله عليه وسلم :
(( واني لست أخشى عليكم أن تشركوا , ولكني أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوها ))
وفي هذا قال سيد قطب رحمه الله تعالى في كتابه العظيم الظلال :
الأبتلاء بالشر مفهوم أمره , ليكشف مدى أحتمال المبتلى , ومدى صبره على الضر
..فأما الأبتلاء بالخير فهو في حاجة الى بيان ... ان الأبتلاء بالخير أشد وطأة , وان خيل للناس
أنه دون الأبتلاء بالشر .. ان كثيرين يصمدون للأبتلاء بالشر ولكن القلة القليلة هي التي
تصمد للأبتلاء بالخير
فاذا عرفت ذلك ياعبد الله عرفت المراد من قوله صلى الله عليه وسلم :
(( ان الله ليحمي عبده المؤمن من الدنيا ,وهو يحبه , كما تحمون مريضكم الطعام والشراب
تخافون عليه ))
..... مقاصد البلاء : واليك أهم وأبرز مقاصد وغايات البلاء :
1 - لرفع مقامات ودرجات العبد عند ربه يوم القيامة :
والدليل قوله صلى الله عليه وسلم : (( ان عظم الجزاء مع عظم البلاء
,وان الله تعالى اذا أحب قوما أبتلاهم , فمن رضي فله الرضا , ومن سخط فله السخط ))
2 - ليطهر العبد ويكفر عنه ذنوبه وخطاياه :
والدليل قوله صلى الله عليه وسلم : (( لايزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة
في جسده وأهله وماله , حتى يلقى الله تعالى وما عليه خطيئة ))
3 - ومنه ماينزل عقوبة وأنتقاما :
والدليل قوله تعالى : (( واذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء
العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم ))
4 - لتمحيص النفوس ومعرفة الصالح من الطالح ,والمجاهد ممن سواه :
والدليل كما قال تعالى : (( ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم
والصابرين ونبلو أخباركم ))
5 - ومنه ما يكون فتنة :
كما قال تعالى : (( ومن الناس من يقول أمنا بالله فاذا أوذي في الله
جعل فتنة الناس كعذاب الله ))
6 - لدفع بلاء أشد :
قال تعالى : (( كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا
وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون ))
7 - ليعيد العبد الى خالقه :
كما قال تعالى : (( ولقد أرسلنا الى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء
والضراء لعلهم يتضرعون
8 - لاظهار الشكر وليرى من يشكر ومن يكفر :
قال تعالى : (( فلما رآه مستقرا عنده قال هذا من فضل ربي ليبلوني
أأشكر أم أكفر ))
9 - لتعرف نعمة وفضل الله عليك وتتذكرها فلا تنساها :
فقد صح عن النبي أنه قال : (( من رأى مبتلى , فقال: الحمد لله
الذي عافاني مما أبتلاه به وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلا , لم يصبه ذلك الأذى ))
[right] يتبع ان شاء الله